فصل: (سورة الفرقان الآيات: 17- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الفرقان الآيات: 17- 19]:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذابًا كَبِيرًا (19)}.

.اللغة:

{بُورًا} البور بضم الباء: الفاسد الذي لا خير فيه، يقال امرأة بور وقوم بور يوصف به الواحد والجمع، والبور من الأرض ما لم يزرع ويجوز أن يكون جمع بائر كعائذ وعوذ، وفي الأساس واللسان والتاج: فلان له نوره، وعليك بوره أي هلاكه، وقوم بور، وأحلوا دار البوار، ونزلت بوار على الكفار. قال أبو مكعت الأسدي:
قتلت فكان تظالما وتباغيا ** إن التظالم في الصديق بوار

لو كان أول ما أتيت تهارشت ** أولاد عرج عليك عند وجار

جعلها علما للضباع فاجتمع التعريف والتأنيث، ومن المجاز:
بارت البياعات أي كسدت، وسوق بائرة، وبارت الأيم إذا لم يرغب فيها.

.الإعراب:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} كلام مستأنف مسوق لوصل ما ذكره في أول السورة وهو قوله: {واتخذوا من دونه آلهة}.
والظرف متعلق باذكر مقدرا معطوفا على قل وجملة يحشرهم بالياء والنون في محل جر بإضافة الظرف إليها والهاء مفعول به وما موصول معطوف على الهاء أو منصوب على المعية وغلب غير العاقل على العاقل فأتى بما دون {من} لأن بين المعبودين عقلاء، وقيل إن كلمة ما موضوعة للكل أو يريد الأصنام لأنها تتكلم بلسان الحال كما قيل في شهادة الأيدي والأرجل.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف يصح استعمال ما في العقلاء؟
قلت: هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم بدليل قولك إذا رأيت شبحا من بعيد: ما هو فإذا قيل لك: إنسان قلت حينئذ: من هو.
وجملة {يعبدون} صلة ما ومن دون اللّه حال.
{فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} فيقول عطف على يحشرهم وأنتم الهمزة للاستفهام التقريعي وأنتم مبتدأ وجملة أضللتم خبر وعبادي مفعول به وهؤلاء اسم اشارة صفة لعبادي أي المشار إليهم أو بدل من عبادي وأم حرف عطف وهم مبتدأ وجملة ضلوا خبره والسبيل نصب بنزع الخافض لأن ضل مطاوع أضله وكان القياس ضل عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هداه الطريق والأصل إلى الطريق وللطريق.
{قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ} سبحانك مفعول مطلق لفعل محذوف أي تنزيها لك عما لا يليق بك وما نافية وكان فعل ماض ناقص وجملة ينبغي خبر كان ولنا متعلقان بينبغي وأن وما في حيزها فاعل ينبغي فيكون اسم كان مستترا وفاعل ينبغي مستتر ومن دونك مفعول نتخذ الثاني ومن حرف جر زائد وأولياء مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول نتخذ الاول أو بالعكس، والصحيح أن قوله من أولياء هو المفعول الأول لأنه الذي يجوز أن تكون من فيه زائدة بخلاف الثاني، تقول: ما اتخذت من أحد وليا ولا يجوز في الأفصح ما اتخذت أحدا من ولي.
{وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْمًا بُورًا} الواو عاطفة ولكن مخففة مهملة للاستدراك ومتعتهم فعل وفاعل ومفعول به وآباءهم الواو عاطفة أو للمعية وآباءهم عطف على الهاء أو مفعول معه وحتى حرف غاية وجر ونسوا الذكر فعل وفاعل ومفعول به وكانوا كان واسمها وقوما خبرها وبورا صفة.
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} الفاء الفصيحة لأنها مرتبة على محذوف ولأنها مفاجأة بالاحتجاج والإلزام وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول وهذا التعبير بليغ جدا وله نظائر في الكتاب الكريم كقوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير}.
وقول الشاعر:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ** ثم القفول فقد جئنا خراسانا

أي أن هذه البلدة أبعد ما يراد بنا، وغاية سفرنا، ثم يكون القفول والرجوع، وقوله فقد جئنا مرتب على محذوف أي إن صدقوا فقد جئنا خراسان فلم لم نتخلص من السفر، ويجوز أنه عدل إلى الخطاب أي فقولوا لهم اقطعوا السفر بنا وارجعوا فقد جئنا الموعد.
وقد حرف تحقيق وكذبوكم فعل وفاعل وره إذا منعه لأن المستعيذ باللّه طالب منه أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكأن المعنى اسأل اللّه أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا.
وقد ساءل الزمخشري فقال: فإذا قد ثبت أنه من باب المصادر فما معنى وصفه بمحجور؟ قلت: جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر كما قالوا ذيل زائل، والذيل الهوان وموت مائت والحجر العقل لأنه يمنع صاحبه وفي الأساس: وفي ذلك عبرة لذي حجر وهو اللّب، وهذا حجر عليك: حرام، وحجر عليه القاضي حجرا، واستقينا من الحاجر وهو منهبط يمسك الماء وفلان من أهل الحاجر وهو مكان بطريق مكة، وقعد حجرة أي ناحية، وأحاطوا بحجرتي العسكر وهما جاباه، وحجّر حول العين بكيّة، وعوذ باللّه وحجر، وامرأة بيضاء المحاجر، وبدا محجرها من النقاب، واستحجر الطين وتحجّر: صلب كالحجر، وتحجر ما وسعه اللّه: ضيقه على نفسه، وقراءة العامة على كسر الحاء وقرئ بالضم وهو لغة فيه وحكى أبو البقاء فيه لغة ثالثة وهي الفتح، قال وقد قرىء بها.
{هَباءً} الهباء قال في القاموس والتاج: الغبار ودقائق التراب ساطعة ومنثورة على وجه الأرض والقليلو العقول من الناس وفعله هبا يهبو هبوّا وقال الزمخشري: والهباء ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار وفي أمثالهم أقل من الهباء قال: ولام الهباء واو بدليل الهبوة قلت وقال المتنبي:
ولا تحسبن المجد زقا وقينة فما ** المجد الا السيف والفتكة البكر

وتضريب أعناق الملوك وأن ترى ** لك الهبوات السود والعسكر المجر

وقال الخليل والزجاج: هو مثل الغبار الداخل في الكوة يتراءى مع ضوء الشمس.

.الإعراب:

{وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ} جملة مستأنفة مسوقة لتسليته صلى اللّه عليه وسلم، وما نافية وأرسلنا فعل وفاعل وقبلك ظرف متعلق بمحذوف حال ومن المرسلين متعلقان بأرسلنا أو بمحذوف صفة لمفعول أرسلنا، والمعنى:
وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين، ونحوه قوله تعالى: {وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} على معنى وما منا أحد، ولعل هذا أولى، وإلا أداة حصر وجملة انهم حالية ولذلك كسرت همزة إن كما انها كسرت لأجل اللام في الخبر والمعنى إلا وهم يأكلون، فالاستثناء من أعم الأحوال، وإن واسمها واللام المزحلقة وهي لام الابتداء زحلقت إلى الخبر وجملة يأكلون الطعام خبر انهم وجملة يمشون في الأسواق عطف على ليأكلون الطعام.
{وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} وجعلنا عطف على ما تقدم أو تجعلها مستأنفة مسوقة لتسليته صلى اللّه عليه وسلم أيضا، وجعلنا فعل وفاعل وبعضكم مفعول به أول ولبعض حال لأنه كان في الأصل صفة لفتنة وفتنة مفعول به ثان لجعلنا، ومعنى جعل بعضهم فتنة لبعض: أن الغني فتنة للفقير والصحيح فتنة للمريض والشريف فتنة للوضيع والمراد أن الدنيا دار امتحان وبلاء فلا يفلل ذلك في عزمك ولا يضيقن به صدرك ولا تأبه الأراجيفهم. والهمزة للاستفهام ومعنى الاستفهام الأمر أي اصبروا ومثله أأسلمتم معناه أسلموا، وكان الواو عاطفة أو استئنافية وكان فعل ماض ناقص وربك اسمها وبصيرا خبرها.
{وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا} الواو عاطفة وقال الذين فعل وفاعل وجملة لا يرجون صلة ولقاءنا مفعول به ولولا أداة تحضيض وأنزل فعل ماض مبني للمجهول وعلينا متعلقان به والملائكة نائب فاعل والجملة مقول قولهم وهم الذين ينكرون البعث وأو حرف عطف وجملة نرى ربنا عطف على جملة أنزل علينا الملائكة فهي من مقول قولهم اقترحوا أن ينزل اللّه عليهم الملائكة فتخبرهم بصدق محمد حتى يصدقوه أو يروا اللّه جهرة فيأمرهم بتصديقه واتباعه.
{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} الجملة مقول قوله تعالى في درء الشبهتين اللتين أوردوهما تعنتا ومكابرة بعد قيام الحجة وسطوع الدليل. واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق واستكبروا فعل وفاعل، وفي أنفسهم فيه وجهان: أحدهما انه متعلق باستكبروا يعني أنهم لتكبرهم استكبروا أنفسهم أي عدوها كبيرة الشأن وأصله من استكبره إذا عداه كبيرا ونزّله منزلة اللازم، والثاني أنه متعلق بمحذوف حال أي أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق في قلوبهم أي كائنا في قلوبهم، وعتوا فعل ماض وفاعل وعتوا مفعول مطلق وكبيرا صفة له.
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} يوم متعلق باذكر مقدرة أو بيعذبون أو بلا يبشرون المفهومة ضمنا من لا بشرى أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها ولا تعمل فيه البشرى لأن المصدر لا يعمل فيما قبله، ولأن المنفي لا يعمل فيما قبل لا. وجملة يرون مجرورة باضافة الظرف إليها والملائكة مفعول به ولا بشرى لا نافية للجنس وبشرى اسمها وللمجرمين خبرها والجملة مقول قول محذوف أي يقولون لا بشرى وجملة القول حال من الملائكة ويقولون فعل وفاعل وحجرا محجورا تقدم القول في اعرابها مفصلا في باب اللغة {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُورًا} الواو استئنافية وقدمنا فعل وفاعل والى ما متعلقان بقدمنا وجملة عملوا صلة ومن عمل حال أي عمل خير كصدقة وصلة رحم أو إغاثة ملهوف، والفاء عاطفة وجعلناه فعل وفاعل ومفعول به أول وهباء مفعول به ثان ومنثورا صفة.

.البلاغة:

شبه أعمال الكفار الحسنة بالهباء، ووجه الشبه قلّته وحقارته وعنده وانه لا ينتفع به، ثم أي هباء؟ انه قد يكون منتظما مع ضوء الشمس فإذا حركته الريح تطاير وذهب كل مذهب، ولذلك قال منثورا أي جامعا لحقارة الهباء والتناثر ومثله {كونوا قردة خاسئين} أي جامعين للمسخ والخسء، وأتى بالعامل منكرا ليتناول هذا الوعيد كل من سولت له نفسه البقاء على الكفر وعمل مثل عملهم.
وللرماني في كتابه النكت في إعجاز القرآن بحث طريف في هذا التشبيه بعد أن يلحقه بباب الاستعارة يقول فيه: حقيقة قدمنا هنا عمدنا، وقدمنا أبلغ منه لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفر لأنه من إمهاله لهم كمعاملة الغائب عنهم ثم قدم فرآهم على خلاف من أمرهم، وفي هذا تحذير من الاغترار بالافهام والمعنى الذي يجمعهما العدل لأن العمد لإبطال الفاسد عدل والقدوم إلى ابطال الفاسد عدل والقدوم أبلغ لما بينّا، وأما هباء منثورا فبيان ما قد أخرج مالا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه.
فانظر اليه كيف استجمع الصور القرآنية في ذهنه وكيف أوحى اليه لفظ قدمنا المستعار من معان ثم كيف كشف عن خبايا التعبير القرآني في استعارة القدوم للعمد وفضل الاول في بعث الخيال وإثارته ليربط بين المعنى الأول في الآية والمعنى المستعار، وصورة أخرى ربطية تثور في الخيال وهي صورة المسافر الغائب الذي يأتي فيرى القوم على خلاف فيضرب ليعدل ويصلح الفاسد.
وقال الواحدي: معنى قدمنا عمدنا وقصدنا يقال: قدم فلان إلى أمر كذا إذا قصده أو عمده ومنه قول الشاعر:
وقدم الخوارج الضلال إلى عباد ** ربهم فقالوا إن دماءكم لنا حلال